الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال في المناهج: الغفلة داء عظيم ينشأ عنه مضار دينية ودنيوية، وعرفت في اصطلاح الصوفية بأنها غشاوة وصدأ يعلو مرآة القلب يمنعه من التيقظ لما يقرب من حضرة الرب ومداواته أن يعلم أنه غير مغفول عنه ويلحظ قوله تعالى {وما ربك بغافل عما تعملون} ويعلم أنه يحاسب على الخطرة والهم أي المقتونة بالتصميم فمن تحقق بهذا وراعى أوقاته وزان أحواله زالت عنه الغفلة. - (الحكيم) أبو جعفر محمد الترمذي (والبغوي) أبو القاسم (وابن منده) عبد الله (وابن نافع) عبد الباقي (وابن شاهين) عمر بن أحمد له زهاء ثلاث مئة مؤلف (وأبو نعيم) الحافظ أحمد المشهور (الخمسة في كتاب الصحابة عن أفلح) بفتح الهمزة وسكون الفاء وآخره مهملة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد رآه ينفخ إذا سجد ترب وجهك ذكره ابن الأثير وغيره وأفلح في الصحابة متعدد وهذا هو المراد لكن لو ميزه لكان أولى قال في الأصل وسنده ضعيف. 279 - (أخاف على أمتي من بعدي) في رواية بعدي بإسقاط من (ثلاثاً: حيف الأئمة) أي جور الإمام الأعظم ونوابه، قال الراغب: الحيف الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين (وإيماناً بالنجوم) أي تصديقاً باعتقاد أن لها تأثيراً في العالم، ونكره ليفيد الشيوع فيدل على التحذير من التصديق بأي شيء كان من ذلك جزئياً أو كلياً مما كان من أحد فسمى علم النجوم وهو علم التأثير لا التسيير فإنه غير ضار (وتكذيباً بالقدر) أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم قال [ص 204] الغزالي العلم لا يذم لعينه وإنما يذم في حق العباد لأسباب ككونه مضراً بصاحبه أو غيره غالباً كعلم النجوم فإنه غير مذموم لذاته إذ هو قسمان حسابي وقد نطق القرآن العزيز بأن علم تسيير الكواكب محبوب - (ابن عساكر) في تاريخ الشام (عن أبي محجن الثقفي) عمرو بن حبيب أو عبد الله كان فارساً جواداً شاعراً بطلاً لكنه منهمك في الشرب لا يصده خوف حد ولا لوم، جلده عمر رضي الله تعالى عنه مراراً سبعاً أو ثمانياً ونفاه. قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف ولم يرمز المؤلف رحمه الله له بشيء، ووهم من زعم أنه رمز لحسنه لكنه أشار بتعدد طرقه إلى تقويته. 280 - (أخاف على أمتي بعدي) وفي نسخ من بعدي ولا وجود لها في نسخة المؤلف التي بخطه (خصلتين) تثنية خصلة وهي كما في الصحاح بالفتح الخلة وفي الأساس الخصلة المرة من الخصل وهي الغلبة في الفضائل يقال فضلهم خصلة وخصالاً وأصل الخصل القطع قال ومن المجاز فيه خصلة حسنة وخصال وخصالات كرام (تكذيباً بالقدر وتصديقاً بالنجوم) فإنهم إذا صدقوا بتأثيراتها مع قصور نظرهم على الأسباب القريبة السافلة والانقطاع عن الترقي إلى مسبب الأسباب هلكوا بلا ارتياب فمعرفة الأسباب من حيث كونها معرفة غير مذمومة لكنها تجر إلى الإضرار بأكثر الخلق والوسيلة إلى الشر فلما نظر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ما يتولد منه من الشر خاف على أمته منه وفيه كمال شفقته عليهم ونظره بالرحمة إليهم. قال منجم لعلي كرم الله وجهه لما قصد النهروان: لا تسر في موضع كذا وسر في موضع كذا فقال: ما كان محمد يعلم ما ادعيت اللهم لا طير إلا طيرك وما كان لعمر منجم وقد فتح بلاد كسرى وقيصر. - (ع عد خط في) كتاب (النجوم عن أنس) بن مالك وهو حسن لغيره انتهى. (أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء) أي طلب السقيا أي المطر بها جمع نوء وهو نجم مال للغروب أو سقط في المغرب مع الفجر وطلع آخر مقابله من المشرق (وحيف السلطان) أي من له سلاطة وقهر (وتكذيباً بالقدر) وأنشد بعضهم: إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر * فكن على حذر قد ينفع الحذر واصبر على القدر المحتوم وارض به * وإن أتاك بما لا تشتهي القدر فما صفا لامرئ عيش يسر به * إلا سيتبع يوماً صفوه الكدر (رواه) الإمام محمد (بن جرير) الطبري المجتهد المطلق (عن جابر) بن عبد الله وهذا ساقط من كثير من النسخ مع وجوده بخطه. 281 - (أخبرني جبريل أن حسيناً) ابن فاطمة (يقتل بشاطئ الفرات) بضم الفاء أي بجانب نهر الكوفة العظيم المشهور وهو يخرج من آخر حدود الروم ثم يمر بأطراف الشام ثم بأرض الطف وهي من بلاد كربلاء فلا تدافع بينه وبين خبر الطبراني بأرض الطف وخبره بكربلاء وهذا من أعلام النبوة ومعجزاتها وذلك أنه [ص 205] لما مات معاوية أتته كتب أهل العراق إلى المدينة أنهم بايعوه بعد موته فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فبايعوه وأرسل إليه فتوجه إليهم فخذلوه وقتلوه بها يوم الجمعة عاشر محرم سنة إحدى وستين وكسفت الشمس عند قتله كسفة أبدت الكواكب نصف النهار كما رواه البيهقي وسمعت الجن تنوح عليه ورأى ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ذلك اليوم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فسأله عنه فقال هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم وطيف برأسه الشريف في البلدان إلى أن انتهت إلى عسقلان فدفنها أميرها بها فلما غلب الفرنج على عسقلان استفداها منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمال جزيل وبنى عليها المشهد بالقاهرة كما أشار إليه القاضي الفاضل في قصيدة مدح بها الصالح ونقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره لكن نازع فيه بعضهم بأن الحافظ أبا العلاء الهمداني ذكر أن يزيد بن معاوية أرسلها إلى المدينة فكفنها عامله بها عمرو بن سعيد بن العاص ودفنها بالبقيع عند قبر أمه قال وهذا أصح ما قيل وقال الزبير بن بكار حمل الرأس إلى المدينة فدفن بها وقال القرطبي والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء بهذا السبب والإمامية يقولون الرأس أعيد إلى الحبشة ودفن بكربلاء بعد أرعين يوماً من القتل قال القرطبي وماذكر من أنه في عسقلان في مشهد هناك أو بالقاهرة فباطل لم يصح ولا يثبت وأخرج ابن خالويه عن الأعمش عن منهال بن عمرو الأسدي قال والله أنا رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق وبين يديه رجل يقرأ سورة الكهف حتى إذا بلغ قوله سبحانه وتعالى سهم أصاب وراميه بذي سلم * من بالعراق لقد أبعدت مرماكا وقد غلب على ابن العربي الغض من أهل البيت حتى قال قتله بسيف جده وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً وإني قاتل بابن ابنتك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً قال الحاكم صحيح الإسناد وقال الذهبي وعلى شرط مسلم وقال ابن حجر ورد من طريق واه عن علي مرفوعاً قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا. - (ابن سعد) في طبقاته من حديث المدائني عن يحيى بن زكريا عن رجل عن الشعبي (عن علي) بن أبي طالب أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان قال فذكره وروى نحوه أحمد في المسند فعزوه إليه كان أولى ولعله لم يستحضره ويحيى بن زكريا أورده في الضعفاء وقال ضعفه الدارقطني وغيره انتهى لكن المؤلف رحمه الله رمز لحسنه ولعله لاعتضاده ففي معجم الطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعاً أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه وفيه عن أم سلمة وزينب بنت جحش وأبي أمامة ومعاذ وأبي الطفيل وغيرهم ممن يطول ذكرهم نحوه فرمز المؤلف رحمه الله لحسنه لذلك لكنه لم يصب حيث اقتصر على ابن سعد مع جموم رواته وتكثر طرقه. [ص 206] 282 - (أخبروني) يا أصحابي (بشجرة شبه) بكسر فسكون وبفتحتين وفي رواية مثل كذلك وهما بمعنى كما في الصحاح (الرجل المسلم) هذا هو المشبه به والنخلة مشبهة وكان القياس تشبيه المسلم بها ليكون وجه الشبه فيها أظهر لكن قلب التشبيه إيذاناً بأن المسلم أتم منها في الثبات وكثرة النفع على حد قوله: وكأن النجوم بين دجاها * سنن لاح بينهن ابتداع ثم بين وجه الشبه بقوله (لا يتحات) أي لا يتساقط (ورقها) وكذا المسلم لا تسقط له دعوة (ولا) ينقطع ثمرها فإنها من حين يخرج طلعها يؤكل منه إلى أن يصير تمراً يابساً يدخر فكذا المسلم لا ينقطع خيره حياً ولا ميتاً (ولا) يبطل نفعها (ولا) يعدم فيؤها بل ظلها دائم ينتفع به هكذا كرر النفي ثلاثاً على طريق الاكتفاء ووقع في مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن الراوي عنه تعلقه بما بعده فاستشكله وقال: لعل لا زائدة ولعله وتؤتي إلى آخره وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف اكتفاء كما قدر وقرر ثم ابتدأ كلاماً على طريق التفسير لما قبله - (خ عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما. 283 - (أخبر) بضم الهمزة والموحدة أمر بمعنى الخبر (تقله) بفتح فسكون فضم أو كسر من القلى البغض الشديد قال في الكشاف: كأنه بغض يقلى الفؤاد والكبد انتهى والهاء للسكت وهذا لفظ رواية أبي يعلى ولفظ رواية ابن عدي وغيره وجدت الناس أخبر تقله أي وجدت أكثرهم كذلك أي علمتهم مقولاً فيهم هذا القول ما منهم من أحد إلا وهو مسخوط الفعل عند الخبرة فإذا خبرته أبغضته كذا قرره بعض الأعاظم وظاهر اقتصاره على جعل الهاء للسكت أنها ليست إلا له لكن ذكر فيه في الكشف أنها إما للسكت أو ضمير حيث قال قيل مقول في شأنهم فهو ثاني [ص 207] المفعولين والضمير العائد إلى الأول محذوف والهاء للسكت أو هو الضمير نظراً إلى لفظ الناس وقيل وجدت بمعنى عرفت والناس مفعول أخبر مقدماً أي عرفت هذه القصة وتحققتها وجداناً وأيا مّا كان فالقصد أن من جرب الناس عرف خبث سرائر أكثرهم وندرة إنصافهم وفرط استئثارهم وفي العيان ما يغني عن البرهان وفي هذا اللفظ من البلاغة ما هو غني عن البيان وقد قيل اللفظ الحسن إحدى النفاثات في العقد قال الغزالي واحذر خصوصاً مخالطة متفقهة هذا الزمان سيما المشتغلين بالخلاف والجدال فإنهم يتربصون بك لحسدهم ريب المنون ويقطعون عليك بالظنون ويتغامزون وراءك بالعيون يحصون عليك عثراتك في عشرتهم وفي عشيرتهم ويجبهونك بها في عصبتهم ومناظرتهم لا يقيلون لك عثرة ولا يغفرون لك زلة ولا يسترون لك عورة يحاسبونك على النقير والقطمير ويحسدونك على القليل والكثير ويحرضون عليك الإخوان بالتهمة والبهتان إن رضوا فظاهرهم الملق وإن سخطوا فباطنهم الحنق ظاهرهم ثياب وباطنهم ذئاب، هذا ما قضت به المشاهدة في أكثرهم إلا من رحم الله فصحبتهم خسران ومعاشرتهم خذلان، هذا حكم من يظهر لك الصداقة فكيف بمن يجاهرك بالعداوة؟ إلى هنا كلام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله فإذا كان هذا زمانه فما بالك بهذا الزمان؟ ومن نظم أبي الحسين الطائي رحمه الله: نظرت وما كل امرئ ينظر الهدى * إذا اشتبهت أعلامه ومذاهبه فأيقنت أن الخير والشر فتنة * وخيرهما ما كان خيراً عواقبه أرى الخير كل الخير أن يهجر الفتى * أخاه وأن ينأى عن الناس جانبه يعيش بخير كل من عاش واحداً * ويخشى عليه الشر ممن يصاحبه وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل يقينه: وثق بالناس رويداً انتهى وممن ساقه هكذا هو في جامعه الكبير انتهى - (ع طب عد حل عن أبي الدرداء) قال الزركشي: سنده ضعيف وقال الهيتمي: فيه أبو بكر ابن أبي مريم وهو ضعيف. وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح. وقال السخاوي رحمه الله: طرقه كلها ضعيفة لكن شاهده في الصحيحين الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة انتهى كلامه إلى هنا. 284 - (اختتن) بهمزة وصل مكسورة (إبراهيم) الخليل أي قطع فلقة ذكر نفسه والختان اسم لفعل الخاتن وقيل مصدر ويسمى به محل الختن أيضاً ومنه خبر إذا التقى الختانان (وهو ابن ثمانين سنة) وفي رواية وهو اين عشرين ومئة سنة وجمع جمع بأنه عاش مائتي سنة ثمانين غير مختون وعشرين ومئة مختون ورده ابن القيم بأنه قال: اختتن وهو ابن مئة وعشرين سنة ولم يقل اختتن لمئة وعشرين قال: وأما خبر اختتن وهو ابن عشرين ومئة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة فحديث معلول لا يعارض ما في الصحيحين ولا يصح تأويله بما ذكره القائل لأنه قال: ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة وبأن الذي يحتمله على بعد قوله اختتن لمئة وعشرين أن يكون المراد بقيت من عمره لا مضت والمعروف من مثل هذا الاستعمال إنما هو إذا كان الباقي أقل من الماضي فإن المشهور من استعمال العرب في خلت ومضت أنه من أوّل الشهر إلى نصفه يقال خلت وخلون ومن نصفه إلى آخره يقال بقيت وبقين فقوله لمئة وعشرين بقيت من عمره كقوله لثنتين وعشرين ليلة بقيت من الشهر وهو لا يسوغ انتهى وجمع ابن حجر بأن المراد بقوله وهو ابن ثمانين أي من وقت فراق قومه وهاجر من العراق إلى الشام وهو ابن مئة وعشرين أي من مولده وأن بعض الرواة رأى مئة وعشرين فظنها إلا عشرين أو عكسه (بالقدوم) بفتح القاف والتخفيف آلة النجار يعني الفأس كما في رواية ابن عساكر وروي بالتشديد أيضاً عن الأصيلي وغيره وأنكره بعضهم وقيل ليس المراد الآلة بل المكان الذي وقع فيه وهو بالوجهين أيضاً قرية بالشام أو جبل بالحجاز بقرب المدينة أو قرية بكلب أو موضع بعمان أو ثنية في جبل ببلاد سدوس أو حصن باليمن والأكثر على أنه بالتخفيف وإرادة الآلة ورجحه البيهقي والقرطبي وقال الزركشي وابن [ص 208] حجر أنه الأصح بدليل رواية أبي يعلى أنه عجل قبل أن يعلم الآلة فاشتد عليه انتهى وذكر ابن القيم وأبو نعيم والديلمي ونحوه وقال: قد يتفق الأمران فيكون أختتن بالآلة وفي الموضع قال: وممن اختتن أيضاً المسيح قال القرطبي: وأول من اختتن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم لم يزل ذلك سنة عامة معمولاً بها في ذريته وأهل الأديان المنتمين لدينه وهذا حكم التوراة على بني إسرائيل كلهم ولم تزل أنبياء بني إسرائيل يختتنون حتى عيسى عليه الصلاة والسلام غير أن طوائف من النصارى تأولوا ما في التوراة بأن المقصود زوال قلفة القلب لا جلدة الذكر فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان وليس هو أول جهالتهم فكم لهم منها وكم وكم ويكفيك أنهم زادوا على أنبيائهم في الفهم وغلّطوا فيما عملوا عليه وقضوا به من الحكم. - (حم ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضاً. 285 - (اختضبوا) بكسر الهمزة أي غيروا ألوان شعوركم ندباً (بالحناء) بكسر الحاء المهملة وشد النون والمد (فإنه طيب الريح) أي زكي الرائحة والطيب ضد الخبيث (يسكن الروع) بفتح الراء أي الفزع بخاصية فيه علمها الشارع وزعم أن رؤية الشيب مفزعة والخضاب يستره يرده أن الأمر بالخضاب يعم الأشيب وغيره هذا هو الظاهر في تقرير معنى الحديث، فإن قلت: إن ريح الحناء مستكره عند أكثر الناس بشهادة الوجدان ومن ثم جاء في خبر مسلم الآتي في الشمائل أنه كان يكرهه فبين الحديثين تدافع، قلت: أما نفرة الطبع السليم من ريحه فضلاً عن استلذاذه فإنكاره مكابرة غير أن لك أن تقول الطيب يجيء بمعنى الفاضل ففي القاموس وغيره الطيب الأفضل من كل شيء فلا مانع من أن الشارع صلى الله عليه وسلم اطلع على أن ريحه ينفع ويزكي بعض الحواس أو الأعضاء الباطنة فلا ينافي ذلك كراهته له لأن الطبع يكره الدواء النافع فتدبره فإنه نافع، ثم رأيت شيخنا الشعراوي رحمه الله تعالى نقل عن بعضهم أن الضمير يعود إلى تمر الحناء بدليل تذكيره قال: فلا ينافي أنه كان يكره ريحه انتهى وإنما يستقيم أن لو كان نور الحناء يخضب أحمر وإلا فهو ساقط. - (ع والحاكم في الكنى عن أنس) بن مالك وفيه الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك قال الذهبي في الضعفاء مجهولان. 286 - (اختضبوا بالحناء) ندباً (فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم) أي يزيد في الصورة قبولاً للناظر وإلا فالخضاب ليس في الوجه (ونكاحكم) لأنه يشد الأعضاء والأعصاب وفيه قبض وترطيب ولونه ناري محبوب مهيج مقو للمحبة وفي ريحه عطرية مع قبض [فإن قلت] كيف يزيد في الشباب مع أن سنه محدود محسوب [قلت] المراد زيادته في هيئة الشبيبة بأن يصير الكهل مثلاً كهيئة الشاب إذا داوم عليه لما يكسوه من النضارة والإشراق والقوة وخضب المرأة يديها ورجليها مندوب ومما ورد في الترغيب في الخضاب ما رواه الخطيب في ترجمة محمد الفهري من حديث عمار بن سبط يرفعه اختضبوا فإن الله وملائكته وأنبياءه ورسله وكلما ذر أو برأ حتى الحيتان في بحارها والطير في أوكارها يصلون على صاحب الخضاب حتى يتصل خضابه. - (البزار) أحمد بن عمر بن عبد الخالق صاحب المسند من رواية ثمامة عن أنس بن مالك قال العراقي في شرح الترمذي وإسناده ضعيف (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وفيه عبد الرحمن بن الحارث الغنوي قال في الميزان: لا يعتمد عليه وفي اللسان فيه بعض تساهل وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف متروك (وأبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة (عن) درهم بن زباد بن درهم عن أبيه عن جده (درهم) ودرهم وأبوه لم يدخلا التهذيب ولا رجال المسند ولا ثقات ابن حبان وجده درهم ذكره الذهبي في تجريده وذكر له هذا الحديث وتقدمه ابن خزيمة في الصحابة. [ص 209] 287 - (اختضبوا وافرقوا) بهمزة وصل وبضم الراء وقاف أي اجعلوا شعر رؤوسكم فرقتين عن يمين ويسار (وخالفوا اليهود) فإنهم لا يخضبون أي غالباً ولا يفرقون بل يسدلون بضم الدال ففي الخضاب مخالفة أهل الكتاب وتنظيف الشعر وتقويته وتليينه وتحسينه وشد الأعضاء وجلاء البصر وتطييب الريح وزيادة الجمال واتباع السنة وغير ذلك. وقوله وخالفوا اليهود يحتمل أن المراد خالفوهم في جميع أحوالهم التي منها عدم الفرق فيشمل الامتناع من مساكنة الحائض والسبت وغير ذلك وبه جزم القرطبي فقال: كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر حين قدومه المدينة ليتألفهم ليدخلوا في الدين فلما غلبت عليهم الشقوة ولم ينجع معهم أمر بمخالفتهم في أمور كثيرة حتى قالوا ما يريد الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه فاستقر آخراً على مخالفتهم في كل ما لم يؤمر فيه بحكم. واعلم أن المشركين كانوا يفرقون رؤوسهم أي يجعلون شعرها نصفين نصفاً من جانب اليمين على الصدر ونصفاً من جانب اليسار عليه وكان أهل الكتاب يسدلون أي يرسلون شعر رؤوسهم حول الصدر وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء لتمسكهم ببقايا من شرائع الرسل فلما فتحت مكة واستقر الأمر خالفهم ففرق وأمر بالفرق فدل على أنه أفضل لرجوعه إليه آخراً فعلاً وأمراً لكنه غير واجب بدليل أن بعض الصحب سدل بعد، فلو كان الفرق واجباً لم يسدلوا وزعم نسخ السدل يحتاج لبيان الناسخ وتأخيره عن المنسوخ على أن رجوعه إلى الفرق يحتمل كونه باجتهاده لكونه أنظف وأبعد على الإسراف في غسله وعن مشابهة النساء. - (عد عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الحارث بن عمران الجعفري قال في الميزان قال ابن حبان وضاع على الثقات وقال مخرجه ابن عدي الضعف على رواته بين. 288 - (اختلاف) افتعال من الخلف وهو ما يقع من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور ذكره الحراني (أمتي) أي مجتهدي أمتي في الفروع التي يسوغ الاجتهاد فيها فالكلام في الاجتهاد في الأحكام كما في تفسير القاضي قال: فالنهي مخصوص بالتفرق في الأصول لا الفروع انتهى. قال السبكي: ولا شك أن الاختلاف في الأصول ضلال وسبب كل فساد كما أشار إليه القرآن وأما ما ذهب إليه جمع من أن المراد الاختلاف في الحرف والصنائع فرده السبكي بأنه كان المناسب على هذا أن يقال اختلاف الناس رحمة إذ لا خصوص للأمة بذلك فإن كل الأمم مختلفون في الحرف والصنائع فلا بد من خصوصية قال: وما ذكره إمام الحرمين في النهاية كالحليمي من أن المراد اختلافهم في المناصب والدرجات والمراتب فلا ينساق الذهن من لفظ الاختلاف إليه (رحمة) للناس كذا هو ثابت في رواية من عزى المصنف الحديث إليه فسقطت اللفظة منه سهواً أي اختلافهم توسعة على الناس بجعل المذاهب كشرائع متعددة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بكلها تضيق بهم الأمور من إضافة الحق الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم ولم يكلفوا ما لا طاقة لهم به توسعة في شريعتهم السمحة السهلة فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة وفضيلة جسيمة خصت بها هذه الأمة فالمذاهب التي استنبطها أصحابه فمن بعدهم من أقواله وأفعاله على تنوعها كشرائع متعددة له وقد وعد بوقوع ذلك فوقع وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم أما الاجتهاد في العقائد فضلال ووبال كما تقرر والحق ما عليه أهل السنة والجماعة فقط فالحديث إنما هو في الاختلاف في الأحكام، ورحمة نكرة في سياق الإثبات لا تقتضي عموماً فيكفي في صحته أن يحصل في الاختلاف رحمة ما في وقت ما في حال ما على وجه ما. وأخرج البيهقي في المدخل عن القاسم بن محمد أو عمر بن عبد العزيز لا يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة ويدل لذلك ما رواه البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعاً أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فبأيهم اقتديتم اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة قال السمهودي: واختلاف الصحابة في فتيا اختلاف الأمة وما روي من أن مالكاً لما أراده الرشيد على الذهاب معه إلى العراق وأن يحمل الناس [ص 210] على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن. فقال مالك: أما حمل الناس على الموطأ فلا سبيل إليه لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم افترقوا بعد موته صلى الله عليه وسلم في الأمصار فحدثوا فعند أهل كل مصر علم وقد قال صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة كالصريح في أن المراد الاختلاف في الأحكام كما نقله ابن الصلاح عن مالك من أنه قال في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخطئ ومصيب فعليك الاجتهاد قال وليس كما قال ناس فيه توسعة على الأمة بالاجتهاد إنما هو بالنسبة إلى المجتهد لقوله فعليك بالاجتهاد فالمجتهد مكلف بما أدّاه إليه اجتهاده فلا توسعة عليه في اختلافهم وإنما التوسعة على المقلد فقول الحديث اختلاف أمتي رحمة للناس أي لمقلديهم ومساق قول مالك مخطئ ومصيب إلخ إنما هو الرد على من قال من كان أهلاً للاجتهاد له تقليد الصحابة دون غيرهم وفي العقائد لابن قدامة الحنبلي أن اختلاف الأئمة رحمة واتفاقهم حجة انتهى. [فإن قلت] هذا كله لا يجامع نهى الله تعالى عن الاختلاف بقوله تعالى ويجب علينا أن نعتقد أن الأئمة الأربعة والسفيانين والأوزاعي وداود الظاهري وإسحاق بن راهويه وسائر الأئمة على هدى ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه والصحيح وفاقاً للجمهور أن المصيب في الفروع واحد ولله تعالى فيما حكم عليه أمارة وأن المجتهد كلف بإصابته وأن مخطئه لا يأثم بل يؤجر فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فأجر، نعم إن قصر المجتهد أثم اتفاقاً وعلى غير المجتهد أن يقلد مذهباً معيناً وقضية جعل الحديث الاختلاف رحمة جواز الانتقال من مذهب لآخر والصحيح عند الشافعية جوازه لكن لا يجوز تقليد الصحابة وكذا التابعين كما قاله إمام الحرمين من كل من لم يدون مذهبه فيمتنع تقليد غير الأربعة في القضاء والافتاء لأن المذاهب الأربعة انتشرت وتحررت حتى ظهر تقييد مطلقها وتخصيص عامها بخلاف غيرهم لانقراض اتباعهم وقد نقل الإمام الرازي رحمه الله تعالى إجماع المحققين على منع العوام من تقليد أعيان الصحابة وأكابرهم انتهى. نعم يجوز لغير عامي من الفقهاء المقلدين تقليد غير الأربعة في العمل لنفسه إن علم نسبته لمن يجوز تقليده وجمع شروطه عنده لكن بشرط أن لا يتتبع الرخصة بأن يأخذ من كل مذهب الأهون بحيث تنحل ربقة التكليف من عتقه وإلا لم يجز خلافاً لابن عبد السلام حيث أطلق جواز تتبعها وقد يحمل كلامه على ما إذا تتبعها على وجه لا يصل [ص 211] إلى الانحلال المذكور وقول ابن الحاجب كالآمدي من عمل في مسألة بقول إمام ليس له العمل فيها بقول غيره اتفاقاً إن أراد به اتفاق الأصوليين فلا يقضي على اتفاق الفقهاء والكلام فيه وإلا فهو مردود ومفروض فيما لو بقي من آثار العمل الأول ما يستلزم تركب حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين كتقليد الإمام الشافعي في مسح بعض الرأس والإمام مالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة فعلم أنه إنما يمتنع تقليد الغير في تلك الواقعة نفسها لا مثلها كأن أفتى ببيونة زوجته بنحو تعليق فنكح أختها ثم أفتى بأن لا بينونة ليس له الرجوع للأولى بغير إبانتها وكان أخذ بشفعة جوار تقييداً للحنفي ثم استحقت عليه فيمتنع تقليده الشافعي في تركها لأن كلاً من الإمامين لا يقول به فلو اشترى بعده عقاراً وقلد الإمام الشافعي في عدم القول بشفعة الجوار لم يمنعه ما تقدم من تقليده في ذلك فله الامتناع في تسليم العقار الثاني وإن قال الآمدي وابن الحاجب ومن على قدمها كالمحلى بالمنع في هذا وعمومه في جميع صور ما وقع العمل به أولاً فهو ممنوع وزعم الاتفاق عليه باطل، وحكى الزركشي أن القاضي أبا الطيب أقيمت صلاة الجمعة فهم بالتكبير فذرق عليه طير فقال أنا حنبلي فأحرم ولم يمنعه عمله بمذهبه من تقليد المخالف عند الحاجة وممن جرى على ذلك السبكي فقال: المنتقل من مذهب لآخر له أحوال: الأول أن يعتقد رحجان مذهب الغير فيجوز عمله به اتباعاً للراحج في ظنه، الثاني أن يعتقد رجحان شيء فيجوز، الثالث أن يقصد بتقليده الرخصة فيما يحتاجه لحاجة لحقته أو ضرورة أرهقته فيجوز، الرابع أن يقصد مجرد الترخص فيمتنع لأنه متبع لهواه لا للدين، الخامس أن يكثر ذلك ويجعل اتباع الرخص ديدنه فيمتنع لما ذكر ولزيادة فحشه، السادس أن يجتمع من ذلك حقيقة مركبة ممتنعة بالإجماع فيمتنع، السابع أن يعمل بتقليد الأول كحنفي يدعي شفعة جوار فيأخذها بمذهب الحنفي فتستحق عليه فيريد تقليد الإمام الشافعي فيمتنع لخطئه في الأولى أو الثانية وهو شخص واحد مكلف. قال: وكلام الآمدي وابن حجاب منزل عليه، وسئل البلقيني عن التقليد في المسألة السريحية فقال: أنا لا أفتي بصحة الدور لكن إذا قلد من قال بعدم وقوع الطلاق كفى ولا يؤاخذه الله سبحانه وتعالى لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها أي مع التقليد وهو ذهاب منه إلى جواز تقليد المرجوح وتتبعه، قال بعضهم: ومحل ما مر من منع تتبع الرخص إذا لم يقصد به مصلحة دينية وإلا فلا منع كبيع مال الغائب فإن السبكي أفتى بأن الأولى تقليد الشافعي فيه لاحتياج الناس غالباً في نحو مأكول ومشروب إليه والأمر إذا ضاق اتسع وعدم تكرير الفدية بتكرر المحرم اللبس فالأولى تقليد الشافعي لمالك فيه كما أفتى به الأبشيطي وذهب الحنفية إلى منع الانتقال مطلقاً قال في فتح القدير: المنتقل من مذهب لمذهب باجتهاد وبرهان آثم عليه التعزير وبدونهما أولى ثم حقيقة الانتقال إنما تتحقق في حكم مسألة خاصة قلد فيها وعمل بها وإلا فقوله قلدت أبا حنيفة فيما أفتى به من المسائل أو التزمت العمل به على الإجمال وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل وعد به أو تعليق له كأنه التزم العمل بقوله فيما يقع له فإذا أراد بهذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد بإلزامه نفسه بذلك قولاً أو نية شرعاً بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما يحتاجه بقوله تعالى {فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} والمسؤول عنه إنما يتحقق عند وقوع الحادثة قال والغالب أن مثل هذه الالتزامات لكف الناس عن تتبع الرخص إلا أن أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخف عليه ولا يدري ما يمنع هذا من النقل والعقل انتهى وذهب بعض المالكية إلى جواز الانتقال بشروط ففي التنقيح للقرافي عن الزناتي التقليد يجوز بثلاثة شروط: أن لا يجمع بينهما على وجه يخالف الإجماع كمن تزوج بلا صداق ولا ولي ولا شهود فإنه لم يقل به أحد، وأن يعتقد في مقلده الفضل، وأن لا يتتبع الرخص والمذاهب وعن غيره يجوز فيا لا ينقض فيه قضاء القاضي وهو ما خالف الإجماع أو القواعد الكلية أو القياس الجلي ونقل عن الحنابلة ما يدل للجواز وقد انتقل جماعة من المذاهب الأربعة من مذهبه لغيره منهم عبد العزيز بن عمران كان مالكياً فلما قدم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى مصر تفقه عليه وأبو ثور من مذهب الحنفي إلى مذهب الشافعي وابن عبد الحكم من مذهب مالك إلى الشافعي ثم عاد وأبو جعفر بن نصر من الحنبلي إلى الشافعي والطحاوي من الشافعي إلى الحنفي والإمام السمعاني من الحنفي إلى الشافعي والخطيب البغدادي والآمدي وابن برهان من الحنبلي إلى الشافعي وابن فارس صاحب المجمل من الشافعي [ص 212] للمالكي وابن الدهان من الحنبلي للحنفي ثم تحول شافعياً وابن دقيق العيد من المالكي للشافعي وأبو حيان من الظاهري للشافعي ذكره الأسنوي وغيره. وإنما أطلنا وخرجنا عن جادة الكتاب لشدة الحاجة لذلك وقد ذكر جمع أنه من المهمات التي يتعين إتقانها .
|